هل يؤثر الخلاف الروسي-الأميركي على دور موسكو في الإقليم؟
لم يكن مفاجئًا تهجّم الرئيس الأميركي جو بايدن على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووصفه بـ “القاتل”. هناك تراكمات في سوء العلاقة بين موسكو والحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، نتيجة اتهام الديمقراطيين الأميركيين للروس أنهم تدخلوا في الإنتخابات الرئاسية الأميركية من خلال دعم الرئيس السابق دونالد ترامب في استحقاقين. حينها، نفت موسكو كل تلك الإتهامات، لكنّ بايدن عاد للتصويب على الروس لعدّة اعتبارات:
أوّلًا، يحقد الحزب الديمقراطي الأميركي على بوتين نتيجة اتهامه بدعم ترامب ضد كلّ من المرشحة السابقة هيلاري كلينتون، والرئيس الحالي جو بايدن، خلال دورتين انتخابيتين رئاسيتين في الولايات المتحدة.
ثانيًا، توحي إدارة الديمقراطيين بأنّها تسلك في البيت الأبيض سياسة إنسانية في العالم ضد أنظمة دولية تصنّفها واشنطن في خانة “الديكتاتورية”. وتنطلق تلك الإدارة من قضايا: المعارض الروسي نفالني، مسألة جزيرة القرم، وحلف الروس مع كلّ من سوريا وإيران وتركيا.
ثالثًا، يعتبر فريق بايدن أنّ موسكو تقوم بأدوار مشاكسة تجاه مصالح الأميركيين، بتحالفها مع الصين، وعبر توسيع نفوذها في ساحات دولية.
لذا، سيزداد التوتر بين الروس والأميركيين تدريجيًا، ولكنّه لن يصل إلى مواجهات مباشرة، باعتبار أنّ البدائل الأميركية موجودة في الحرب الاقتصادية والعقوبات القائمة بحق موسكو. لكن، هل يصل الكباش الجاري إلى حدّ طلب واشنطن من العواصم الأوروبية المشاركة بمحاصرة روسيا؟ لن تقدر واشنطن الدخول في لعبة خطيرة ستُفقد دول أوروبية الغاز الروسي الذي يشكّل لها أحد أبرز الأولويات. غهل تكون المواجهة في المنطقة؟
لن تكون في الإقليم. لماذا؟
لا يتواجد أيّ دور روسي فعّال في العراق، ولا في اليمن، ولا على خط التفاوض الأميركي-الإيراني المحتمل. بينما جرى وضع القطار اللّيبي على سكّة الحل بإخراج حكومة تسووية توافقية. واذا كانت روسيا تقيم جبهة تحالف ضمني مع المصريين والإماراتيين، فإنّ القاهرة وأبوظبي يحاولان تقريب المسافات الدولية لا الدخول في لعبة المحاور: يمكن هنا فهم موقفهما إزاء سوريا، وتوافقهما بشأن ليبيا، ونظرتهما نحو تمدّد تركيا.
وحدها سوريا، هي ساحة المصالح الروسية، التي يمكن لواشنطن عبرها أن تحارب موسكو في الإقليم. لكن بوتين يضع كل قدرات بلاده العسكرية منذ سنوات لمنع إ سقاط دمشق: استطاعت موسكو أن تنجح في ضرب المجموعات المسلحة التي كانت تهدّد الدولة السورية. وهي تحاول الآن مؤازرة السوريين عبر خطوط إئتمان مالية للمحافظة على الآمان الإقتصادي الضروري. رغم سعي الأميركيين تجفيف الإقليم، وتحديدًا دول “محور المقاومة” من الدولار للتسريع في حصد نتائج العقوبات الإقتصادية والمالية.
الأهم أنّ واشنطن لا تستطيع أن تحارب الروس في سوريا، لأنّ موسكو تسعى لتنفيذ مهمّة استراتيجية: فرض قواعد اشتباك بين “محور المقاومة” واسرائيل، تتيح إيجاد استقرار نسبيّ، من خلال إزالة عناصر التأزيم. تريد تل أبيب تفكيك المحور المذكور لمنصّات الصواريخ الدقيقة التي تمتلكها المقاومة في لبنان وسوريا. كما يسعى الاسرائيليون لتسويق مشروعهم السابق بنزع الأسلحة الثقيلة من جنوب دمشق إلى الجولان. ويريدون أيضًا ضمان الاتفاق على الحدود الجنوبية اللّبنانية تمهيدًا للبدء في خطوات التنقيب عن الغاز وإخراجه في سياق خط هوف.
لذا، فإنّ المهمة الروسية التي استدعت لقاء المسؤولين الروس مع وفد حزب الله، لا تسمح للأميركيين بمشاكسة الخطوات الروسية في قلب الإقليم، في وقت تحاول فيه إدارة بايدن منع الإسرائيليين من تصعيد الخطوات ضد محور تقوده إيران، لضمان نجاح أي تفاوض مرتقب بين الغرب وطهران.
عباس ضاهر